تشهد السياسة الخارجية الجزائرية في الأسابيع الأخيرة منعطفًا غير مسبوق، بعد سلسلة من المواقف التي عكست ابتعادًا واضحًا عن الخطاب الإيديولوجي التقليدي، سواء فيما يتعلق بفلسطين أو بنزاع الصحراء، وصولًا إلى رسائل مباشرة توحي بأن التطبيع مع إسرائيل لم يعد خطًا أحمر.
أبرز هذه التحولات جاء خلال ندوة صحافية لوزير الخارجية أحمد عطّاف، حين قدم الجزائر كطرف “محايد” يقترح الوساطة بين المغرب والبوليساريو، في خطوة فسّرها المتابعون بأنها إعلان عملي عن تخلي الجزائر عن الدور الذي لعبته لعقود كداعم رئيسي للجبهة الانفصالية. هذا التحوّل تزامن مع تصويت الجزائر داخل مجلس الأمن لصالح مشروع قرار أمريكي يخص غزة، رغم رفض “حماس” له وامتناع الصين وروسيا عن دعمه.
وفي واشنطن، عزز السفير الجزائري صبري بوقادوم هذا المسار بتصريحات لافتة حين رد على سؤال حول احتمالات التطبيع بالقول: “كل شيء ممكن”، وهي عبارة مثلت قطيعة واضحة مع الخطاب التقليدي الذي جعل من فلسطين ركيزة ثابتة في الدبلوماسية الجزائرية منذ الاستقلال.
وتعمل الجزائر، وفق تحركات بوقادوم واتصالاته المكثفة، على إعادة تموضع استراتيجي يهدف إلى التقارب مع الولايات المتحدة، خاصة عبر فتح قنوات مع دوائر مقربة من إدارة ترامب ونسج علاقات جديدة تتجاوز التحالف التاريخي مع موسكو. وقد ظهرت إشارات ذلك في توقيع مذكرة تفاهم عسكرية غير مسبوقة، وتفعيل مجموعات عمل لبحث شراء أسلحة أمريكية بدل الروسية.
كما برزت مبادرات أخرى في أوروبا، بينها استقبال عميد جامع باريس لشخصيات أمريكية نافذة مرتبطة بدوائر ترامب، في خطوة فسرت كجزء من عملية واسعة لتحسين صورة الجزائر داخل مراكز القرار الغربي.
هذه التحركات المتسارعة تعكس، بحسب مراقبين، سعي النظام الجزائري للخروج من عزلته الدبلوماسية، ومجاراة التحولات الإقليمية التي جعلت من المغرب شريكًا استراتيجيا رئيسيا لواشنطن. لكن هذا المسار يحمل مفارقة لافتة: ففي الوقت الذي تتحدث فيه الجزائر داخليًا بخطاب ثوري قديم، تتحدث في الخارج بلغة الانفتاح والاستعداد لتغيير مواقف اعتُبرت لعقود “ثوابت لا تُمس”.
ويعتبر محللون أن تخلي الجزائر العملي عن دعم البوليساريو، وتصويتها لصالح قرار أمريكي بشأن غزة، وتزايد مؤشرات التقارب مع إسرائيل، ليست سوى خطوات أولى في عملية إعادة تموضع أعمق، قد تنتهي بإعلان تطبيع رسمي بعد سنوات من مهاجمة الدول العربية التي اتخذت هذا المسار.
The post الجزائر تتخلى عن البوليساريو وتتاجر بفلسطين!! first appeared on صباح أكادير.
